فصل: الكلام على البسملة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الكلام على البسملة:

يأتي على الناس إصباح وإمساء ** وكلنا لصروف الدهر نساء

يثوى الملوك ومصر في تغيرهم ** مصر على العهد والأحساء أحساء

خسست يا دار دنيانا فأف لمن ** يرضى الخسيسة أو ناس أخساء

لقد نطقت بأصناف العظات لنا ** وأنت فيما يظن الناس خرساء

إذا تعطفت يومًا كنت قاسية ** وإن نظرت بعين فهي شوساء

أين الملوك وأبناء الملوك ومن ** كانت لهم عزة في الملك قعساء

نالوا يسيرًا من اللذات وارتحلوا ** برغمهم فإذا النعماء بأساء

الدنيا دار كدر بذلك جرى القدر فإن صفا عيش لحظة ندر ثم عاد التخليط فبدر الورود فيها كالصدر ودم قتيلها هدر بلاؤها متتابع متواصل وسيفها إذا ضربت سيف فاصل وحرصها على الحقيقة مفاصل وخيرها مظنون وشرها حاصل.
نوائب إن حلت تخلت سريعة ** وإما تولت في الزمان توالت

ودنياك إن قلت أقلت وإن قلت ** فمن قلة في الدين نجت وعلت

غلت وأغالت ثم غالت وأوحشت ** وحشت وحاشت واستمالت وملت

وصلت بنيران وصلت سيوفها ** وسلت حسامًا من أذاة وسلت

أزالت وزلت بالفتى عن مقامه ** وحلت فلما أحكم العقد حلت

أين أرباب البيض والسمر والمراكب الصفر والحمر والقباب والقب الضمر ما زالوا يفعلون أفعال الغمر لى أن تقضى جميع العمر لو رأيت مرتفعهم بعد النصب قد جر إلى بيت لا يدرى فيه الحر والقر وعليه ثوب لا خيط ولا زر المحنة أنه ما انتقل بما يسر تالله لقد حال حلوهم إلى المر وصار ما كان ينفع يضر باعوا بمخشاب الهوى ثمين الدر ولا يمكن أن يقال البائع غر لأنه باع وهو يدري أنه حر.
المشيدات التي رفعت ** أربع من أهلها درس

أقام للأيام في أذني ** واعظ من شأنه الخرس

مهجتي ضد تحاربني ** أنا مني كيف أحترس

إنما دنياك غانية ** لم يهنأ زوجها العرش

فالقها بالزهد مدرعًا ** في يديك السيف والترس

ليس يبقى فرع نائبة ** أصلها في الموت مفترس

إخواني حاسبوا أنفسكم قبل الحساب وأعدوا للسؤال صحيح الجواب واحفظوا بالتقوى هذه الأيام واغسلوا عن الأجرام هذه الأجرام قبل ندم النفوس في حين سياقها قبل طمس شمس الحياة بعد إشراقها قبل ذوق كأس مرة في مذاقها قبل أن تدور السلامة في أفلاك محاقها قبل أن تجذب النفوس إلى القبور بأطواقها وتفترش في اللحود أخلاق أخلاقها وتنفصل المفاصل بعد حسن اتساقها وتشتد شدائد الحسرة حاسرة عن ساقها وتظهر مخبآت الدموع بسرعة اندفاقها وتتقلب القلوب في ضنك ضيق خناقها ويطول جوع من كان في الدنيا فاكهًا وتبكي النفوس في أسرها على زمان إطلاقها إخواني الأيام مطايا بيدها أزمة ركبانها تنزل بهم حيث شاءت فبينا هم على غواربها ألقتهم فوطئتهم بمناسمها قال الحسن يعرض على العبد يوم القيامة ساعات عمره فكل ساعة لم يحدث فيها خيرا تتقطع نفسه عليها حسرات وكان يونس بن عبيد جالسًا مع أصحابه يحدثهم فنظر في وجوههم وقال لقد ذهب من أجلي وأجلكم ساعة وكتب الأوزاعي إلى أخ له أما بعد فقد أحيط بك من كل جانب واعلم أنه يسار بك في كل يوم وليلة مرحلة فاحذر الله تعالى والمقام بين يديه وأن يكون آخر عهدك به والسلام.
خل الذنوب صغيرها ** وكبيرها فهو التقى

كن مثل ماش فوق أرض ** الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرن صغيرة ** إن الجبال من الحصى

قال أعرابي لا تأمن من جعل في ثلاثة دراهم قطع خير عضو منك أن يكون عقابه غدًا هكذا قال رجل لبعض الحكماء أوصني فقال إياك أن تسيء إلى من تحب قال وهل يسيء أحد من يحب قال نعم تعصي فتعذب فتكون مسيئًا إلى نفسك.
أعطيت سيفًا لك بعض العدا ** وليس في كفك غير القراب

فاهرب من الغي وأشياعه ** وحن للنسك حنين الضراب

تزجر هذي النفس عن طبعها ** والأسد لا تترك قصد الرواب

.الكلام على قوله تعالى: {أفرأيت إن متعناهم سنين}:

اعلم أن الآدمي ابن وقته لأن ما مضى لا لذة له لا تغترر بمد المهل ولا تنس قرب الأجل فالأيام راحل وستصل الرواحل تأهب لحوض سترده يا خاسرًا رأس المال وما يفتقده يا طالبًا طول البقاء وما يجده.
دهر يشيع سبته أحده ** متتابع ما ينقضي أمده

يوم يبكينا وآونة ** يوم يبكينا عليه غده

نبكي على زمن ومن زمن ** فبكاؤنا موصولة مدده

ونرى مكارهنا مخلدة ** والعمر يذهب فائتًا عدده

لا خير في عيش تخوننا ** أوقاته وتغولنا مدده

من أقرض الأيام أتلفها ** وقضى جميع قروضها جسده

حتى يغيب في مطمطمة ** لا أهله فيها ولا ولده

تدبروا أموكم تدبر ناظر أين السلطان الكبير القاهر كم جمع في مملكته من عساكر وكم بنى من حصون ودساكر وكم تمتع بحلل وأساور وكم علا على المنابر ثم آخر الأمر إلى المقابر العاقل من ينظر فيما سيأتي ويقهر بعزمه شر الهوى العاتي وإذا قالت النفس حظي قال حظي نجاتي.
عجبت لما تتوق النفس جهلًا ** إليه وقد تصرم لانبتات

وعصياني العذول وقد دعاني ** إلى رشدي وما فيه نجاتي

أؤمل أن أعيش وكل يوم ** بسمعي رنة من معولات

وأيدي الحافرين تكل مما ** تسوي من مساكن موحشات

نراع إذا الجنائز قابلتنا ** ونسكن حين تخفى ذاهبات

كروعة قلة لظهور ذيب ** فلما غاب عادت راتعات

فإن أملت أن تبقى فسائل ** بما أفنى القرون الخاليات

فكم من ذي مصانع قد بناها ** وشيدها قليل الخوف عاتي

قليل الهم ذوبال رخي ** أصم عن النصائح والعظات

فبات وما تروع من زوال ** صحيحًا ثم أصبح ذا شكات

فباكره الطبيب فريع لما ** رآه لا يجيز إلى الدعاة

فلو أن المفرط وهو حي ** توخى الباقيات الصالحات

لفاز بغبطة وأصاب حظا ** ولم يغش الأمور الموبقات

فيا لك عندها عظة لحي ** ويا لك من قلوب قاسيات

وكل أخي ثراء سوف يمسي ** عديمًا والجميع إلى شتات

كأن لم يلف شيئًا ما تقضى ** وليس بفائت ما سوف يأتي

كأنك بك وقد مل الناعت وحل بمحلك المستلب الباغت وردك من مقام ناطق إلى حال صامت وبقيت متحيرًا كالأسير الباهت وإنما هي نفس تخرج ونفس هافت وقد مضى فمن يرد الفائت وصرت في حالة يرثى لها الشامت يا عجبًا كيف يفرح هالك فائت عباد الله النظر النظر إلى العواقب فإن اللبيب لها يراقب أين تعب من صام الهواجر وأين لذة العاصي الفاجر رحلت اللذة من الأفواه إلى الصحائف وذهب نصب الصالحين بجزع الخائف فكأن لم يتعب من صابر اللذات وكأن لم يلتذ من نال الشهوات أخبرنا هبة الله بن محمد أنبأنا أبو الحسين بن علي أنبأنا أبو بكر بن مالك حدثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي حدثنا يزيد حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في النار صبغة ثم يقال له يا بن آدم هل رأيت خيرًا قط هل مر بك نعيم قط فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ في الجنة صبغة ثم يقال له يا بن آدم هل رأيت بؤسًا قط هل مر بك شدة قط فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط انفرد بإخراجه مسلم وقيل حبس بعض السلاطين رجلًا زمانًا طويلًا ثم أخرجه قفال له كيف وجدت محبسك قال ما مضى من نعيمك يوم إلا ومضى من بؤسي يوم حتى يجمعنا يوم وروينا أن داود عليه السلام رأى راهبًا في قلة جبل فصاح به يا راهب من أنيسك فقال اصعد تره فصعد داود فإذا ميت مسجى قال من هذا قال قصته مكتوبة عند رأسه فدنا داود عليه السلام فإذا عند رأسه لوح عليه مكتوب فقرأه فإذا فيه أنا فلان ابن فلان ملك الأملاك عشت ألف عام وبنيت ألف مدينة وهزمت ألف عسكر وأحصنت ألف امرأة وافتضضت ألف عذراء فبينما أنا في ملكي أتاني ملك الموت فأخرجني مما أنا فيه أنذا التراب فراشي والدود جيراني قال فخر داود مغشيًا عليه.
حصلوا بأنواع من الأحداث ** من كل ما عمروا على الأجداث

فإذا الذي جمعوه طول حياتهم ** نهب العدى وقسيمة الوراث

حالت منازلهم على طول المدى ** ووجوههم في الأرض بعد ثلاث

يا من يسر ببيته وأثاثه ** لك في الثرى بيت بغير أثاث

أخبرنا أبو القاسم الحريري أنبأنا أبو بكر الخياط حدثنا أبو عبيد الله بن روسب حدثنا ابن صفوان حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا الحسن بن جمهور حدثنا الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عباس وابن حصين بن عبد الرحمن وغيره عن عمرو بن ميمون عن جرير بن عبد الله قال افتتحنا بفارس مدينة فدللنا على مغارة ذكر لنا أن فيها أموالًا فدخلناها ومعنا من يقرأ بالفارسية فأصبنا في تلك المغارة من السلاح والأموال شيئًا كثيرًا ثم صرنا إلى بيت يشبه الأزج عليه صخرة عظيمة فقلبناها وإذا في الأزج سرير من ذهب عليه رجل وعليه حلل قد تمزقت وعند رأسه لوح فيه مكتوب فقرئ لنا فإذا فيه أيها العبد المملوك لا تتجبر على خالقك ولا تعد قدرك التي جعل الله لك واعلم أن الموت غايتك وإن طال عمرك وأن الحساب أمامك وأنك إلى مدة معلومة تترك ثم تؤخذ بغتة أحب ما كانت الدنيا إليك فقدم لنفسك خيرًا تجده محضرًا وتزود لنفسك من متاع الغرور ليوم فاقتك أيها العبد الضعيف اعتبر بي فإن في معتبرًا أنا بهرام بن بهرام ملك فارس كنت من أعلاهم بطشًا وأقساهم قلبًا وأطولهم أملًا وأرغبهم في اللذة وأحرصهم على جمع الدنيا قد جبيت البلاد النائية وقتلت الملوك الساطية وهزمت الجيوش العظام وعشت خمسمائة عام وجمعت من الدنيا ما لم يجمعه أحد قبلي فلم أستطع أن أفتدي نفسي من الموت إذ نزل بي وقال محمد بن سيرين أخذت معاوية قرة أي من البرد فاتخذ أغشية خفافا فكانت تلقى عليه فلا يلبث أن ينادى ادفعوها فإذا أخذت عنه سأل أن ترد عليه فقال قبحك الله من دار مكثت فيك عشرين سنة أميرًا وعشرين سنة خليفة ثم صرت إلى ما أرى وكان عبد الملك بن مروان يقول عند موته والله وددت أني عبد لرجل من تهامة أرعى غنيمات في جبالها ولم أكن ألي من هذا الأمر شيئًا.
كل حي لاقى الحمام فمودي ** ما لحي مؤمل من خلود

لا تهاب المنون شيئًا ولا تبقى على والد ولا مولود.
يقدح الدهر في شماريخ رضوى ** ويحط الصخور من هبود

ولقد تترك الحوادث والأيام ** وهيًا في الصخرة الصيخود

وأرانا كالزرع يحصده الدهر ** فمن بين قائم وحصيد

وكأنا للموت ركب مخبون ** سراعًا لمنهل مورود

أيها الجاهل الذي أمن الدهر ** وفي الدهر عاقرات الخدود

أين عاد وتبع وأبو ساسان ** كسرى وأين صحب ثمود

أين رب الحصن الحصين بسوراء ** بناه وشاده بالشيد

شد أركانه وصاغ له العقيان ** بابًا وحفه بالجنود

كان يجبى إليه ما بين صنعاء ** ومصر إلى قرى بيرود

وترى حوله زرافات خيل ** حافلات تعدو بمثل الأسود

فرمى شخصه فأقصده الدهر ** بسهم من المنايا شديد

ثم لم ينجه من الموت حصن ** دونه خندق وباب حديد

وملوك من قبله عمروا الد ** نيا أعينوا بالنصر والتأييد

بينما ذاك مرت الطير تجري ** لهم بالنحوس لا بالسعود

وصروف الأيام أسهلن بالحين ** إليه من المحط الكؤود

ما وقاهم ما حاولوا لوعة الدهر ** وما أكدوا من التأكيد

وكذاك العصران لا يلبثان المرء ** أن يأتياه بالموعود

وبعيد ما ليس يأتي وما يدنيه ** منك العصران غير بعيد

.سجع على قوله تعالى: {ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون}:

أين الذين كانوا في اللذات يتقلبون ويتجبرون على الخلق ولا يغلبون مزجت لهم كؤوس المنايا فباتوا يتجرعون {ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} مدوا أيديهم إلى الحرام وأكثروا من الزلل والآثام وكم وعظوا بمنثور ومنظوم من الكلام لو أنهم يسمعون {ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} حمل كل منهم في كفن إلى بيت البلى والعفن وما صحبهم غيره من الوطن من كل ما كانوا يجمعون {ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} ضمهم والله التراب وسد عليهم في ثراهم الباب وتقطعت بهم الأسباب والأحباب يرجعون {ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} أين أموالهم والذخائر أين أصحابهم والعشائر دارت على القوم الدوائر ففيم أنتم تطمعون {ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} شغلوا عن الأهل والأولاد وافتقروا إلى يسير من الزاد وباتوا من الندم على أخس مهاد وإنما هذا من حصاد ما كانوا يزرعون {ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} أين الجنود والخدم أين الحرم والحرم أين النعم والنعم بعد ما كانوا يربعون فيما يرتعون {ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} لو رأيتهم في حلل الندامة إذا برزوا يوم القيامة وعليهم للعقاب علامة يساقون بالذل لا بالكرامة إلى النار فهم يوزعون {ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} يا معشر العاصين قد بقي القليل والأيام تنادي قد دنا الرحيل وقد صاح بكم إلى الهدى الدليل إن كنتم تسمعون {ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون}.

.المجلس الرابع والعشرون في قصة زكريا ويحيى عليهما السلام:

الحمد لله الذي لم يزل عظيمًا عليًا يخذل عدوا وينصر وليًا أنشأ الآدمي خلقا سويًا ثم قسمهم قسمين رشيدًا وغويًا رفع السماء سقفًا مبنيًا وسطح المهاد بساطًا مدحيًا ورزق الخلائق بحريًا وبريًا كم أجرى لعباده سريًا أخرج منه لحمًا طريًا كم أعطى ضعيفًا ما لم يعط قويًا فبلغه على الضعف ضعف المراد ووهب له على الكبر الأولاد {كهيعص ذكر رحمة ربك عبده زكريا} أحمده إذ فضل وأعطى شبعا وريا وأصلي على رسوله محمد أفضل من امتطى تبريا وعلى أبي بكر الذي أنفق وما قلل حتى تخلل ويكفي زيًا وعلى عمر الذي كان مقدمًا في الجد جريًا وعلى عثمان الذي لم يزل عفيفًا حييًا وعلى علي أشجع من حمل خطيا وعلى عمه العباس المستسقى بشيبته فانتقعت الأرض ريا قال الله تعالى: {كهيعص} للعلماء في تفسيرها قولان أحدهما أنه من المتشابه الذي انفرد الله تعالى بعلمه والثاني أنها حروف من أسماء الله عز وجل فالكاف من الكافي والهاء من الهادي والياء من حكيم والعين من عليم والصاد من صادق قوله تعالى: {ذكر رحمة ربك} المعنى هذا الذي نتلو عليك ذكر رحمة ربك {عبده زكريا} وفيه ثلاثة لغات أهل الحجاز يقولون هذا زكريا قد جاء مقصورًا وزكريا ممدودًا وأهل نجد يقولون زكري فيجرونه ويلقون الألف قوله تعالى: {إذ نادى ربه نداء خفيًا} والمراد بالنداء الدعاء وإنما أخفاه لئلا يقول الناس انظروا إلى هذا الشيخ يسأل الولد على الكبر {قال رب إني وهن العظم مني} أي ضعف وإنما خص العظم لأنه الأصل في التركيب وقال مجاهد وقتادة شكا ذهاب أضراسه {واشتعل الرأس شيبا} أي انتشر الشيب فيه كما ينتشر شعاع النار في الحطب والمراد بدعائك أي بدعائي إياك {رب شقيا} أي لم أكن أتعب بالدعاء ثم أخيب لأنك قد عودتني الإجابة {وإني خفت الموالي} يعني الذين يلونه في النسب وهم بنو العم والعصبة فخاف أن يتولوا ماله وإن لم يكن على جهة الميراث وأحب أن يتولاه ولده وقرأ عثمان وسعد بن أبي وقاص وابن جبير وابن أبي سريج عن الكسائي خفت الموالي بفتح الخاء وتشديد الفاء على معنى قلت فعلى هذا إنما يكون خاف على علمه ونبوته ألا يورثا فيموت العلم قوله تعالى: {وكانت امرأتي عاقرا} والعاقر من الرجال والنساء الذي لا يأتيه الولد وإنما قال عاقرا ولم يقل عاقرة لأن الأصل في هذا الوصف للمؤنث والمذكر كالمستعار فأجرى مجرى طالق وحائض قال ابن عباس وكان سنه يومئذ مائة وعشرين سنة وامرأته ثمان وتسعين سنة {فهب لي من لدنك} من عندك {وليا} أي ولدا صالحا يتولاني وسبب سؤاله أنه لما رأى الفاكهة تأتي مريم لا في حينها طمع في الولد على الكبر فسأل قوله تعالى: {يرثني ويرث من آل يعقوب} المراد البنوة من الكل {واجعله رب رضيا} أي مرضيا فصرف عن مفعول إلى فعيل كما قالوا مقتول وقتيل {يا زكريا إنا نبشرك} أي نسرك ونفرحك قال ابن عباس لم يسم يحيى قبله فشرف بأن سماه الله تعالى ولم يكل تسميته إلى أبويه {قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا} وإنما قال هذا ليعلم أيأتيه الولد على هذه الحال أم يرد هو وزوجته إلى حالة الشباب.
قوله تعالى: {وقد بلغت من الكبر عتيا} وهو نحول العظم ويبسه {قال كذلك} أي الأمر كما قيل لك من هبة الولد على الكبر {قال ربك هو علي هين} أي خلق يحيى علي سهل {وقد خلقتك} أي أوجدتك {من قبل ولم تك شيئا} {قال رب اجعل لي آية} أي علامة على وجود الحمل وأراد أن يستعجل السرور ويبادر بالشكر {قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا} والمعنى تمنع من الكلام وأنت سوي سليم من غير خرس {فخرج على قومه} وهذا في صبيحة الليلة التي حملت فيها امرأته {من المحراب} أي مصلاه {فأوحى إليهم} وفيه قولان أحدهما كتب إليهم في كتاب قاله ابن عباس والثاني أومأ برأسه ويديه قاله مجاهد {أن سبحوا} أي صلوا قوله تعالى: {يا يحيى} المعنى وهبنا له يحيى وقلنا له يا يحيى {خذ الكتاب} وهو التوراة {بقوة} أي بجد واجتهاد في العمل بما فيها {وآتيناه الحكم} وهو الفهم {صبيا} وفي سنه يومئذ قولان أحدهما سبع سنين رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم والثاني ثلاث سنين قاله قتادة ومقاتل قوله تعالى: {وحنانا} أي آتيناه حنانا أي رحمة {من لدنا وزكاة} أي عملا صالحًا {وكان تقيا} فلم يفعل ذنبا {وبرا بوالديه} أي جعلناه برا بوالديه قوله تعالى: {وسلام عليه} أي سلامة له {يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا} قال سفيان ابن عيينة أوحش ما يكون ابن آدم في ثلاث مواطن يوم يولد فيخرج إلى دار هم وليلة يموت مع الموتى فيجاور جيرانا لم ير مثلهم ويوم يبعث فيشهد مشهدًا لم ير مثله قط فسلمه في هذه المواطن كلها قال علماء السير لما حملت مريم اتهمت اليهود زكريا وقالوا هذا منه فطلبوه ليقتلوه فهرب حتى انتهى إلى شجرة عظيمة فتجوفت له فدخل فيها فجاءوا يطوفون بالشجرة.
فرأوا هدبة ثوبه فقطعوا الشجرة حتى خلصوا إليه فقتلوه ونبيء يحيى وهو صغير في زمن أبيه وكان كثير البكاء فساح في الأرض يدعو الناس إلى الله تعالى وكان طعامه الجراد وقلوب الشجر أخبرنا المحمدان ابن ناصر وابن عبد الباقي قالا حدثنا أحمد بن أحمد أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أحمد بن الحسين حدثني سعيد ابن شرحبيل حدثنا سعيد بن عطارد عن وهيب بن الورد قال كان يحيى بن زكريا له خطان في خديه من البكاء فقال له أبوه زكريا إني إنما سألت الله عز وجل ولدا تقر به عيني فقال يا أبت إن جبريل عليه السلام أخبرني أن بين الجنة والنار مفازة لا يقطعها إلا كل بكاء واختلفوا في سبب قتل يحيى فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال بعث عيسى يحيى بن زكريا في جماعة من الحواريين يعلمون الناس فكان فيما نهاهم عنه نكاح ابنة الأخ وكان لملكهم ابنة أخ تعجبه فأراد أن يتزوجها وكان لها في كل يوم حاجة مقضية فبلغ ذلك أمها فقالت إذا سألك الملك حاجتك فقولي حاجتي أن تذبح يحيى فقالت له فقال سلي غير هذا قالت ما أسألك غيره فدعا يحيى فذبحه فبدرت قطرة من دمه على الأرض فلم تزل تغلي حتى بعث الله تعالى بخت نصر فقتل على ذلك الدم سبعين ألفا منهم حتى سكن وقال الربيع بن أنس كانت للملك بنت شابة وكانت تأتيه فيسألها حاجتها فيقضيها لها وإن أمها رأت يحيى وكان جميلًا فأرادته على نفسها فأبى فقالت لابنتها إذا أتيت أباك فقولي له حاجتي رأس يحيى فجاءت فسألته ذلك فردها فرجعت فقال سلي حاجتك فقالت رأس يحيى فقال ذلك لك فأخبرت أمها فبعثت إلى يحيى إن لم تأت حاجتي قتلتك فأبى فذبحته ثم ندمت وجعلت تقول ويل لها ويل لها حتى ماتت فهي أول من يدخل جهنم.
وفي حديث آخر أن اسمها ربه وقيل أزميل وقد قتلت قبله سبعين نبيا وهي مكتوبة في التوراة مقتلة الأنبياء وأنها على منبر من النار يسمع صراخها أقصى أهل النار.